هندسة المشاريع - دليل عملي للجمعيات حول كيفية تخطيط و هندسة مشروع تنموي (ج1).



I – مدخل حول التخطيط الإستراتيجي


يعتبر التخطيط الاستراتيجي من بين الوسائل الأكثر نجاعة لأي تقدم تنموي مستديم. فهو يساعد على قراءة المستقبل والتحضير له خلافا للتخطيط الإجرائي الذي يرتكز على أجرأة ما تم التخطيط له استراتيجيا.

يعتمد التخطيط الاستراتيجي على استقراء وتحليل الحاضر(السياسات المتبعة، الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، التوجهات الوطنية  والدولية.....الخ.) لاستشراف المستقبل. و إيمان بأن هذا الأخير يتأثر و يتشكل بأعمال نبرمجها عوض أن نسلم بأن السياسات المتبعة والتوجهات الوطنية  والدولية الحالية تتطور خطيا مع الزمن دون أن تتغير أو تتأثر.

تتوقف فعالية ومر دودية أية مؤسسة على التفاعل الحاصل بين مختلف مستويات نظام تسييرها.
 يمكن التمييز بين ثلاث مستويات:

يتعلق المستوى الأول بالسؤال حول الذات، و الرؤية، و المهمة و الاختيارات الاستراتيجية. وهو الذي يحدد أسباب الوجود ويتطلب تحليل الواقع وتهيئ المستقبل. وهو كذلك بمثابة العمود الفقري لكل مؤسسة، فوضوحه يسهل تقدم هذه الأخيرة على المستويين الآخرين.    أما المستوى الثاني فيتعلق بمنظومات ووسائل واليات التسيير المتبعة من طرف كل مؤسسة. الهدف من هذه الآليات هو ترسيخ قيم الشفافية والوضوح وطرق اتخاذ القرار وكذا تداول المعلومة، وذلك من أجل فعالية ومر دودية أكثر. المستوى الثالث يتمحور حول العنصر البشري والكفاءات والمهارات، فهنا يتعلق الأمر بالهيئات التطوعية أو العاملة في المؤسسة و كيفية تسييرها، و الكفاءات التي يجب تطويرها. يعتبر العنصر البشري بمثابة رأسمال كل مؤسسة وأهم الموارد لضمان الاستمرارية، لهذا يجب تطوير إمكانيته والرفع من مهارته.  ترتبط هذه المستويات الثلاث فيما بينها بشكل وثيق و عضوي. و يمكن للمؤسسة أن تشتغل على هذه المستويات المختلفة مع التركيز على أحدها حسب مستوى تطورها.

فيما يخص المستوى الأول و المتعلق بالرؤية، فإنه يمس الأهداف و الاختيارات الإستراتيجية، و التوجهات المستقبلية و مقاربات العمل المتبناة من طرف المؤسسة. التخطيط الإستراتيجي كمقاربة تشاركية تمكن من رؤية جديدة لهذا المستوى.

إن المؤسسة التي تنهج مقاربة التخطيط الإستراتيجي لا تتهيأ للمستقبل بل تهيئه لضمان نجاح مشاريعها وبرامجها المستقبلية، هذا المستقبل ليس أمرا محتوما حيث لا يمكن مباشرته، بل يمكن تغييره و تشكيله حسب توجهات الأشخاص و المؤسسات. إن الإجراءات المبرمجة بإتقان تصبح هي ضامنة للمستقبل الذي نريده وهي تنجز حسب تصورنا له و حسب الإمكانيات المتوفرة لدينا كفاعلين تنمويين.

 هذا التصور يقوم على اعتبار التخطيط الإستراتيجي كمجموعة وسائل وتقنيات التي تعتمدها المؤسسة لإعادة خلق ذاتها باستمرار لكي تحقق قدرا مرغوبا فيه من التنمية.
أحدث أقدم